هل كل من يعارض نسبة «الخمسين فى المائة عمال وفلاحين» فى مجلس الشعب هو خائن وكاره ومصاص دماء للعمال والفلاحين؟ سأجيب عن هذا السؤال بعدة أسئلة لتحفيز البحث وإعادة التفكير فى تلك القضية التى باتت فزاعة تطلق فى وجه من يثيرها بغض النظر عن نواياه.

هل منعت نسبة «الخمسين فى المائة عمال وفلاحين» بيع القطاع العام وتصفيته وبيعه خردة بأبخس الأثمان؟ رغم تلك النسبة التى كان من بينها فى إحدى الدورات ستون لواء شرطة وجيش دخلوا المجلس تحت جلباب وأفرول الفلاح والعامل. فى وجودها شُرد مستأجرو الأراضى الزراعية وبتصفيق حاد من المجلس، إذن تلك النسبة ليست ضماناً على الإطلاق للحفاظ على حقوق العمال والفلاحين، ومن السهل جداً أن يكون لابس الجلباب والأفرول أداة مضادة وطابوراً خامساً ضد طبقته.

العامل الحقيقى هو الذى أتعلم منه وأقف أمامه تلميذاً منصتاً عندما يتحدث عن تاريخ وكفاح الطبقة العاملة المصرية، مثل المناضل أبوالعز الحريرى والمرحوم عطية الصيرفى، هذا العامل عندما يرشح تحت أى لافتة وبمجرد اسمه وتاريخه سيكتسب المصداقية ودون كوتة مفروضة أو نسبة مسبقة، وبالطبع ليس كل عامل أو فلاح بالضرورة قارئاً جيداً لمصالح طبقته المطحونة، وليس كل أفندى مغيباً عن تلك المصالح!

هل خالد محيى الدين، ابن الثراء والجاه والأفدنة الممتدة على مرمى البصر لعائلة محيى الدين فى كفر شكر، كان معادياً لمصلحة الفلاح الأجير والعامل البسيط؟ هل أبناء الباشوات مثل محمد سيد أحمد والهلالى وغيرهما ممن ذاقوا السجن والعذاب من أجل دفاعهم عن العمال ضد الفقر والنهب والظلم يجب طردهم من جنة البرلمان لمجرد أنهم أفندية؟ هل شهدى عطية ورفاقه ممن ذُوبوا فى حمض الكبريتيك فى غياهب سجن الواحات وتغذت على دمائهم العقارب كانوا فى رحلة ترفيه بعيداً عن صراخ فقراء العمال؟

هل عندما كتب يوسف إدريس عن عمال التراحيل فى رواية «الحرام» كان بعيداً عن هموم الفلاحين لأنه طبيب؟ أليس طه حسين الأفندى دارس الأدب والشعر هو الذى نادى بأن يكون التعليم كالماء والهواء مجانياً لفقراء العمال والفلاحين؟ هل المرحوم أحمد عبدالله الذى عاش مع أطفال المدابغ ودافع عن حقوقهم، وهو الذى عاش فى إنجلترا وعلّم أجيالا من الدبلوماسيين، نحرمه من لقب «عامل» ونمنحه لسعد محمد أحمد وعائشة عبدالهادى وزيرى القوى العاملة؟!!

نسبة «الخمسين فى المائة» ليست نصاً مقدساً، ولابد أن تراجع لأنها استغلت أعظم استغلال وأول ما استُغلت فيه كان سرقة حقوق العمال والفلاحين والالتفاف عليها وسحق إنسانيتهم، قانون الإصلاح الزراعى فكر فيه أفندية مطربشون وغير مطربشين، القطاع العام بكل المزايا والخطايا فكر فيه أفندية لا تنطبق عليهم صفة عامل فى ترشيحات البرلمان، والحفاظ على حقوق العمال والفلاحين ليس مستمداً من نسبة مفتعلة ومقررة سلفاً، وإنما يستمد من برامج أحزاب تعبر عن معاناة ومشاكل هذه الطبقة المسحوقة، أحزاب تتشكل حول نواة صلبة من المطالبة بحقوق هذه الطبقة المنسية المهمشة المطحونة. نحن أمام عصر جديد يحتاج إلى فكر جديد ولا يحتاج إلى أصنام، سواء كانت تلك الأصنام نصوصاً أو حكاماً أو أفكاراً.